لم يكن الإعصار الاستوائي ألفريد إعصارا عاديا، فقد تحرك في الاتجاه المعاكس لمعظم الأعاصير التي تتكون في بحر المرجان، حيث كان من المفترض أن يتجه شرقا ثم يغادر البحر عند بريزبين، لكن ألفريد غيّر مساره وعاد جنوبا، كما أنه اقترب من اليابسة أبعد من المعتاد، وكان آخر إعصار فعل ذلك هو الإعصار واندا في عام 1974.
بالإضافة إلى ذلك، تحرك ألفريد بوتيرة أبطأ من الأعاصير المعتادة، مما تسبب في توليد أمواج أكثر تدميرا.
ومع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، يشير العلماء إلى أن بعض خصائص هذا الإعصار قد تكون مؤشرا لما قد يحدث في المستقبل.
فهل يمكن لتغير المناخ أن يؤدي إلى وصول إعصار إلى سيدني؟ وهل ستصبح هذه العواصف أكثر قوة أو تكرارا؟ إليك ما نعرفه عن مستقبل الأعاصير:
يتفق جميع علماء المناخ على أمر واحد، وهو أن الأعاصير الاستوائية ستصبح على الأرجح أكثر شدة في المستقبل.
ولفهم السبب، قد يكون من المفيد النظر إلى بعض العناصر الأساسية اللازمة لتكوّن الإعصار في المقام الأول:
- مياه دافئة (عادة بدرجة حرارة 26.5 درجة مئوية أو أكثر)
- ما يُعرف بـ ”انخفاض التفاوت في سرعة الرياح” (أي أن تكون سرعات الرياح متقاربة في طبقات الجو المختلفة — فعندما تزداد سرعة الرياح بسرعة كبيرة مع الارتفاع، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعطيل الحركة الدورانية للإعصار أثناء تشكّله)
- رطوبة عالية في جميع طبقات الغلاف الجوي
ومع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، فإن بعض هذه العناصر تزداد شدة — مما يؤدي عمليا إلى توفير طاقة أكبر للأعاصير الاستوائية.
ويعد أحد تلك العناصر هو المياه الدافئة، كما يقول مارك هاودن، مدير معهد حلول المناخ والطاقة والكوارث في الجامعة الوطنية الأسترالية.
فقد قال البروفيسور هاودن: “بسبب ارتفاع درجات حرارة المحيطات، من المرجح أن تكون الأعاصير التي تحدث أقوى مما كانت ستكون عليه في الظروف العادية”، وأضاف: “وذلك لأن هناك طاقة أكبر في المحيط، وبالتالي فإن تلك الأعاصير، عندما تتكوّن، تصبح أقوى بكثير، مع سرعات رياح أعلى.”
وليس الأمر مقتصرا على المياه الدافئة فقط، فالغلاف الجوي الأكثر دفئا يساهم أيضا في تغذية الأعاصير، كما قالت كيمبرلي ريد، عالمة المناخ في مركز التميز التابع لمجلس البحوث الأسترالي لطقس القرن الحادي والعشرين بجامعة ملبورن.
وأوضحت ريد: “مع ارتفاع حرارة الغلاف الجوي، يمكنه احتجاز كمية أكبر من الرطوبة، وهذا يعني أنه عندما تمطر، من المرجح أن تكون الأمطار أكثر غزارة”.
وعلاوة على ذلك، قالت الدكتورة ريد إن عملية التكثيف (وهي تحوّل بخار الماء إلى سائل، كما يحدث عند تكوّن الغيوم وتساقط الأمطار) هي عملية “طاردة للحرارة” — أي أنها تضيف المزيد من الطاقة إلى الغلاف الجوي.
لذلك، فإن الغلاف الجوي الأكثر رطوبة يجعل الأعاصير أكثر شدة من حيث الرياح والأمطار على حد سواء.
كما أن ارتفاع مستويات سطح البحر وزيادة كمية الأمطار يعني أيضا أننا يمكن أن نتوقع عواصف مدّ أقوى وتآكلا ساحليا أكبر بفعل الأعاصير الاستوائية، كما قال هاميش رامزي، كبير الباحثين في منظمة العلوم الوطنية الأسترالية (CSIRO) والمتخصص في الأعاصير الاستوائية.
وقد يكون هناك خبر جيد، فمن المحتمل أن نشهد عددا أقل من الأعاصير الاستوائية في المستقبل، لكن هذا الأمر لا يزال غير مؤكد على الإطلاق.
وقال البروفيسور هاودن: “في الواقع، هناك قدر كبير من الجدل داخل المجتمع العلمي بشأن عدد الأعاصير التي من المرجح أن تحدث نتيجة لتغير المناخ”.
وأشار الدكتور رامزي إلى أننا شهدنا بالفعل انخفاضا في عدد الأعاصير الاستوائية حول أستراليا، وقد تم توثيق ذلك من خلال بيانات الأقمار الصناعية التي تعود إلى أوائل الثمانينيات، وكذلك من خلال بيانات أخرى أقل موثوقية تعود إلى بداية هذا القرن، ويدور الجدل العلمي الآن حول ما إذا كان هذا الاتجاه سيتواصل أم لا.
وتشير بعض التوقعات إلى أن الأعاصير قد تصبح أقل تكرارا، لكنها ستكون أقوى، بينما تقول توقعات أخرى إنها ستصبح أكثر تكرارا وأقوى في الوقت نفسه.
ورغم عدم اليقين بشأن مدى تكرار الأعاصير في المستقبل، شدد البروفيسور هاودن على ما يلي: “هناك قدر ضئيل جدا من الجدل حول أنه، من بين الأعاصير التي ستحدث، من المرجح أن تكون أقوى بكثير مما كانت عليه في الماضي، وأن تتصف بجميع الخصائص الأخرى: سرعات رياح قصوى أعلى، أمطار أكثر غزارة، وفرص أكبر لحدوث تكثيف سريع”.
ومن جهة أخرى، حتى وإن أصبحت الأعاصير الاستوائية أقل تكرارا، فإن موسم الأعاصير نفسه قد يصبح أطول، ويعود ذلك إلى ذلك العنصر الأساسي مجددا: المياه الدافئة.
وقال البروفيسور هاودن: “مع ارتفاع متوسط درجات حرارة سطح البحر، يتم تجاوز الحد الأدنى المطلوب لتكوّن الأعاصير خلال فترة الصيف في وقت مبكر من الموسم”، وأضاف: “ويعني هذا أن موسم الأعاصير يمتد لفترة أطول، تماما كما امتد موسم حرائق الغابات لدينا هنا في أستراليا”.
وقال البروفيسور هاودن إن بعض التقديرات حتى الآن تشير إلى أن المنطقة التي يمكن أن تتكوّن فيها الأعاصير قد تتوسع بنحو 60 كيلومترا في كل عقد.
وأضاف البروفيسور هاودن: “لذا، إذا نظرت إلى فترة تمتد لـ40 عاما، فسيكون هناك 240 كيلومترا إضافيا من الساحل الأسترالي يمكن أن يتأثر بالأعاصير، وهو جزء لم يكن يتأثر بها من قبل”.
لكن الدكتور رامزي قال إن المجتمع العلمي لا يزال غير واثق من استمرار هذا الاتجاه مستقبلا، وأن هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث، وأضاف: “هذا لا يعني أنه لن يحدث… بل يعني فقط أننا لا نزال نبحث الأمر”.
إذن، إذا كان هناك احتمال لأن تتحرك الأعاصير الاستوائية نحو الجنوب، فهل يعني ذلك أن إعصارا قد يضرب سيدني؟ يقول الخبراء إن هذا أمر غير مرجّح للغاية أن يحدث في أي وقت قريب، نظرا لأن المياه قبالة سواحل سيدني باردة قليلا بالنسبة لتكوين الأعاصير الاستوائية، وحتى لو كانت المياه دافئة بما يكفي، فإن الرياح الجوية القوية في هذه المناطق الجنوبية هي من النوع الذي يمزق الأعاصير ويمنع تطورها.
- اقرأ أيضاً: ارتفاع كبير في درجات الحرارة مع اجتياح موجة حر لعدة ولايات أسترالية.. وإليك المناطق المتأثرة