Take a fresh look at your lifestyle.

هل تخجل من هويتك العربية في استراليا؟

روبي حمد كانت ترفض الكشف عن هويتها العربية ومقدرتها على تحدث اللغة خارج المنزل، وهذا كما وصفته كسر قلب والدها ثلاث مرات وربما أكثر. واليوم تحكي لنا عن تجربة مشتركة بينها وبين الجيل الثاني من الشباب العربي الأسترالي، وكيف يحاولون منذ الصغر الاندماج في المجتمع الأوسع بشتى السبل المتاحة للشعور بالقبول وتفادي العنصرية.

جاءت أول مرة تتظاهر فيها روبي أنها ليست عربية عن طريق الصدفة.  كانت في أوائل العشرينات من عمرها عندما استقلت القطار من محطة مارتن بليس في مدينة سيدني. قابلت على متن القطار زوجان عربيان بدا كما لو كانا تائهين.

الرجل وزوجته كانا يتلفتان حولهما بحثا عن أي شخص ينقذهما من الضياع في وسط المدينة: “كنت أراهما ينظران إلي ويتهامسان، بدا وكأنهما يحاولان معرفة شيء مني أو عني، لكنني تظاهرت أنني لا أراهما. كانت سماعات جهاز الوكمان الأصفر الكبيرة التي أرتديها على أذناي تعمل كعازل بيني وبين العالم من حولي.”

“جاءت السيدة إلى حيث أقف وقالت لي باللغة العربية إنهما ضائعان وبحاجة إلى بعض الإرشادات.”

قالت السيدة: “من فضلك هل يمكنك مساعدتنا؟”.

“لم أفهم بالضبط إلى أين يرغبان في الوصول، ولم استطع فهم كل ما قالته لي، كان من الواضح أنهما لا يجيدان التحدث بالإنجليزية.”

هز زوجها رأسه قائلا: “قلت لك أنها ليست كذلك.” فردت زوجته بحسم “إنها عربية”.

“لم تتركني، ولم تيأس من المحاولة، وعاودت الالتفاف إلي وسألتني، ‘هل يمكن أن تصفي لنا كيف نصل إلى هذا المكان؟ نحن تائهون.’

أحست روبي أنها في ورطة، مر نحو عامين على آخر مرة تحدثت فيها بالعربية، وخلال تلك الفترة لم تشعر قط أنها عربية. جال بخاطرها عدد من الأسئلة بينما تلح السيدة في طلب المساعدة “هل لو حاولت التحدث بالعربية، ستفهم السيدة ما أقوله.”

Ruby Hamad

شعرت وقتها أن لغة أهلها أصبحت غريبة عنها فهزت رأسها بالنفي مجددا وقالت بالإنجليزية:

آسفة لست عربية.

شعرت المرأة بخيبة الأمل وأخذ زوجها بيدها وسحبها بعيدا وهو يقول “قلت لك أنها ليست عربية، دعيها وشأنها.”

لم تقتنع السيدة على ما يبدو: “كانت تنظر إلي نظرة ثقة أنني عربية الأصل. نظرتها كانت تقول لي ‘لماذا تتظاهرين أنك لست عربية؟ ولماذا ترفضين مساعدتنا؟”

توقف القطار وبدأ الركاب بالخروج، وقالت وهي تغادر العربة مع زوجها للمرة الأخيرة “إنها عربية”.

ظلت روبي داخل القطار وكانت أنظار باقي الركاب مصوبة تجاهها. ابتسمت فتاة أسترالية شقراء في وجه روبي متضامنة: “ابتسمت لي كما لو أننا نتشارك سراً، وقالت “لا تقلقي، أنا لا أعتقد أنك تبدو عربية “.

احست روبي بحزن داخلها، لأنها كذبت على السيدة ولم يكن باستطاعتها أن تبدل موقفها.

“كنت حزينة أيضا لأني شعرت أنني ساهمت في تعزيز العنصرية عندما أنكرت أصولي العربية، وكأنني أقول أن العرب عار.”

خلال سنوات طفولتها لم تكن روبي تدرك مدى ثراء لغتها وثقافتها العربية ما أدى إلى نشوب الكثير من الخلافات بينها وبين والدها الذي توفى منذ خمسة عشر عاما.

“المرة الأولى التي كسرت فيها قلب والدي كنت في الصف في التاسع. وقتها كانت المدرسة تسعى لمنح الطلاب مزيدا من الثقة من خلال منحهم حق اتخاذ قرارات متعلقة بالدراسة.”

في هذه السنة كان يحق لكل طالب اختيار مادة واحدة ليدرسها.

“اخترت دراسة اللغة الإيطالية، كنت أعتقد أنها لغة جذابة، فهي أسهل من الفرنسية وأكثر تطورا من الإسبانية والأهم أنها لم تكن عربية.”

لم يعجب والد روبي بقرارها، وشعر بالإهانة نوعا ما، حيث قال لها “كيف يمكنك اختيار لغة أخرى؟ ألست عربية؟ هل الإيطالية أفضل من العربية؟”

كانت وقتها روبي في مرحلة التمرد على اللغة العربية، أرادت الرد على والدها بقوة لكنها اكتفت بتمتمة “أنا أدرس اللغة العربية في مدرسة السبت.”

اعتبر والد روبي قراراها موقفا شخصيا ولم يستطع أن يفهم ما الذي كانت تفكر فيه.

تعلمت روبي الإيطالية سريعا وبحلول نهاية الصف العاشر كانت تتحدث الإيطالية بنفس جودة تحدثها باللهجة اللبنانية العربية تقريبا.

المرة الثانية التي كسرت فيها قلب والدها، جاءت بعد ثلاث سنوات، عندما جاء دور أخيها الأصغر لتحديد المادة الاختيارية: “فاجأنا جميعًا بقراره، قال إنه سيتعلم اللغة الإيطالية أيضًا.”

عادت مشاعر الحزن إلى والدها والذي ألقى باللوم عليها في اختيار أخيها: “لقد رأى ما فعلته أنت وقام بتقليدك، لماذا يخجل أطفالي من ثقافتهم العربية؟”.

 “فُتحت الجروح القديمة وشعرت أنه لا يطيق النظر إلى وجهي، واستمر الحال هكذا لأسابيع.”

مع انتقالها إلى الجامعة، حاولت روبي جاهدة لتصبح مقبولة في المجتمع الأوسع.

عندما كانت تُسئل عن اسمها، عادة ما كانت تُضطر إلى إعادته أكثر من مرة “رُبا” ثم تبدأ في تقسيمه إلى قسمين ليتمكن مُحدثها من نطقه: “اسمي رو – با”.

“تلقائيا كانوا يعدلونه إلى اسم مألوف أكثر، فكانوا ينادونني “روبي”.

“بعد فترة من الوقت بدا من المنطقي بالنسبة لي، أن أغير اسمي على الأوراق الرسمية الأسترالية، وفعلت!”

في سجل الأحوال المدنية، لتسجيل المواليد والوفيات، فكرت روبي بتغير اسم عائلتها أيضا، ولكن ترددت: “لم أتجرأ على تغيير اسم عائلتي ووالدي، قلت لنفسي هذا يعني أنني أتعرى من نسبي لأهلي وتراثي كله، لم أستطع، وغيرت الاسم الأول فقط ليكون أقرب للمجتمع الأسترالي.”

مع مرور الوقت، بهتت لغتها الإيطالية، بسبب عدم متابعتها وعدم وجود أي إيطاليين حولها لتمارس اللغة معهم، كل ما تذكره الآن هو العبارات الشائعة فقط، ولكن لغتها العربية أخذت في التحسن: “هذا أمر لن يعرفه عني أبي أبدا، أتمنى لو كان حيا ليراني أتمسك بأصلي ولغتي وثقافتي العربية الآن.”

انتهت مرحلة التمرد على ثقافتها الأم وبدأت مرحلة الولع بها منذ نحو عشر سنوات: “شعرت بالحنين لثقافتي كلما سمعت أغنية عربية ولم أستطع فهم كلماتها، فهمت مع مرور الوقت أن العنصرية لا تأتي من الأعراق الأخرى فقط، وانما نحن نساهم في نموها، عندما نخفي هويتنا وننكر أصولنا العربية لنكون مقبولين بالنسبة للآخرين، هكذا نساهم نحن في تعزيز العنصرية.”

حكت روبي عن تجربة والديها القاسية في الهجرة من لبنان أثناء الحرب وتضحيتهم العظيمة من أجل أن يعيش أطفالهم في أمان.

تركوا كل ما يملكون من أجلهم وواجها العديد من التحديات للاندماج في المجتمع: “كان والدي يشعر بالذعر أن يقوم أطفاله بالابتعاد عن أصولهم وعنه، ولذلك كان يحرص دائما على تربيتنا وتذكيرنا بعاداتنا وتقاليدنا العربية.”

الآن وبعد رحلة من التمرد ثم القبول ثم حب أصولها العربية تنصح روبي الشباب الأسترالي من أصول عربية أن يتفهموا موقف آباءهم والتضحيات التي قدموها من أجلهم لينعموا بحياة كريمة: “أنتم أطفالهم وهم يحبونكم جدا ويرغبون في رؤيتكم في أفضل حال. لا يدرك الآباء ما يحدث معكم خارج المنزل وكيف هي الحياة بالنسبة لنا.” كما تنصح الآباء بتفهم أبناءهم والتحلي بالصبر في التعامل معهم لأن الحياة في أستراليا مختلفة جدا عن الحياة في الأوطان العربية.

أما عن المرة الثالثة التي كسرت فيها روبي قلب والدها فإنها لا تستطيع التحدث عنها، ولكن يمكنها تأكيد أنه لم يكن هناك مرة رابعة.

روبي حمد صحفية ومؤلفة وطالبة دكتوراه، تبحث في الدراسات الإعلامية بجامعة نيو ساوث ويلز. تكتب في صحف فيرفاكس، وتنشر أعمالها أيضًا على العديد من المجالات والمواقع الاعلامية الأخرى، وتكتب روبي أيضا أسبوعيا في The New Arab.

عائلة عربية من 150 فرد تحتفل بعيد الفطر في سيدني بمراعاة قيود التباعد الاجتماعي

ضاحية بأغلبية عربية و مسلمة في سيدني تسجل اعلي نمو في أسعار المنازل في 2020

Leave A Reply

Your email address will not be published.